الشهيد يحيى عياشما أحوجَ الأمة اليومَ لأن تستلهم سيرة أبنائها المجاهدين الذين أوقدوا شعلة الجهاد وأناروا الطريق أمام أجيالها القادمة لتحقق رسالتَها الخالدة في تنوير الإنسانية قاطبةً.
إنَّ سيرة المجاهد الشهيد يحيى عياش رسالةٌ إلى كل شبابِ العرب والمسلمين أن يُشمِّروا عن سواعدِ الجدِّ ويواجهوا التحديات بدلاً من حالةِ الاسترخاء التي يُدبِّر لها الأعداء في أكبر مؤامرة في التاريخ على أمةٍ بكاملها.
وإنها رسالةٌ أيضًا إلى الحكَّامِ الذين هادنوا العدوَّ وعقدوا معه الاتفاقياتِ والمعاهدات التي تضمن له العيش في أمان بعد أن ارتكب من الجرائم ما يدعو إلى ضرورةِ القصاص، وهي رسالةٌ أيضًا لكل مظلومٍ وصاحب حقٍّ بعدم اليأسِ والركونِ إلى التثاقل إلى الأرض.
إنَّ يحيى عياش يُقدِّم اليومَ رسالةً إلى البشريةِ كلها.. فمَن هو هذا البطل الشامخ؟ وما هي أسرار شخصيته الفذة؟ وما المدرسة التي تعلَّم فيها فنَّ الشجاعة؟
مَن هو الشهيد؟المولد والنشأةوُلِد الشهيد يحيى عبد اللطيف عياش ونشأ في قرية رافات بين نابلس وقلقيلية لعائلةٍ متديِّنة محافِظة، وقد رزق الله الحاج عبد اللطيف ابنه البكر يحيى في الثاني والعشرين من مارس من عام 1966م.
وقد كان يحيى معروفًا بذكائه الحادِّ وحفظه الدقيق، وبدأ حفظِ القرآن منذ السادسةِ من عمره، وكان الصمت والخجل والهدوء ميزاتٌ خاصة في يحيى.
وكأيِّ فلسطيني كبُر يحيى وكبُر معه الألم الذي يعتري الأحرار، كان يدرس في مدرسة القرية الابتدائية ويقف واجمًا في وسطِ الطريق يحملق في جرَّافاتِ المغتصبين التي تسوِّي أراضي القرية وتلتهمها لتوسيع المغتصبة، وقد واصل دراستَه الإعدادية والثانوية وحصل في امتحان التوجيهي على معدل 92.8% في القسم العلمي ليلتحق بجامعة بيرزيت في قسم الهندسة الكهربائية.
يُعتبر يحيى عياش أحد ناشطي الكتلة الإسلامية أثناء الدراسة، وبعد تخرُّجه حاول الحصول على تصريح خروج للسفر إلى الأردن لإتمام دراسته العليا ورفضت السلطات الصهيونية طلبه، وقد عقَّب على ذلك يعكوف بيرس- رئيس المخابرات آنذاك- بالقول: "لو كنا نعلم أنَّ المهندسَ سيفعل ما فعل لأعطيناه تصريحًا بالإضافةِ إلى مليون دولار"!!
تخرَّج في الجامعةِ عام 1991م بتفوُّق، وتزوَّج من ابنةِ عمه بتاريخ 9 سبتمبر 1992م، ورُزِق منها بطفله الأول براء في 1 يناير 1993م وكان حينها مطارَدًا، وقبل استشهاده بيومين فقط رُزِِق بابنه الثاني عبد اللطيف تيمُّنًا باسم والده، غير أنَّ العائلةَ أعادت يحيى إلى البيتِ حين أطلقت على الطفلِ عبد اللطيف اسم يحيى.
شيخ الإخوان المسلمين في "رافات"
عمِل يحيى بجدٍ ونشاط، وقام بكافةِ تكاليف وأعباء الدعوة الإسلامية- سواءٌ داخل الجامعة أو في مدينة رام الله أو قريته رافات- ووظَّف المهندسُ سيارةَ والده التي اشتراها في خدمةِ الحركة الإسلامية حين دأب على السفرِ إلى رافات وقام بإرساءِ الأساسات وشكَّل أنويةً لمجموعاتٍ من الشباب المسلم الملتزم، وحينما انفتح الأفق على حركةِ المقاومة الإسلامية حماس كانت هذه المجموعات في طليعةِ السواعد الرامية خلال سنوات الانتفاضة المباركة الأولى؛ ونظرًا للدور الريادي الذي قام به وحكمته وأدبه وأخلاقه فقد اعتبرته الفصائل الفلسطينية شيخ الحركة الإسلامية في رافات، ترجع إليه في كافةِ الأمور التي تتعلق بالفعالياتِ أو الإشكاليات خلال الأعوام (1988م- 1992م).
ميلاد البطلالشهيد يحيى عياش مع ابنهمع انطلاقِ شرارة الانتفاضة أرسل أبو البراء رسالةً إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام يُوضِّح لهم فيها خطةً لمجاهدة اليهود عبر العمليات الاستشهادية، وأصبحت مُهمة يحيى عياش إعداد السيارات المفخَّخة والعبوات شديدة الانفجار.
أُدرِج المهندس على قائمةِ المطلوبين لقواتِ الاحتلال لأول مرة في نوفمبر سنة 1992 إثر اكتشاف السيارة المفخَّخة في رافات والتي أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام مسئوليتها عن تفجيرها، وفي السادس عشر من أبريل سنة 1993م وفي مفترق "محولا" في الغور نُفِّذ هجومٌ استشهاديٌّ بمحاذاة حافلة ركاب صهيونية قُتِل فيها صهيونيٌّ وأُصيب تسعةٌ آخرون، وفي أغسطس 1993م وبتوجيهٍ من المهندس نفَّذ علي عاصي ومحمد عثمان هجومًا نحو موقع للجيش الصهيوني قُرب مفرق كفر بلوط أسفر عن مقتلِ جنديين.
وفي يناير 1994م توجَّه مع علي عاصي يحمل عبوةً ناسفةً محكَمَةً ووضعها في ميدان رماية للجيش الصهيوني في منطقة رأس العين وانفجرت العبوَّة وأُصيب جنديان بجروحٍ خطيرةٍ، وانطلق الشهيد ساهر تمام في سيارته المفخَّخة التي أعدها المهندس لتتفجَّر بجوار باصٍ صهيوني يقلُّ جنودًا من جيش الاحتلال، وقد أُصيب ثلاثون جنديًّا بجراحٍ، ثمَّ انطلق الشهيد الشيخ سليمان بسيارته المفخَّخة لينفجر بجوار باصٍ؛ حيث قُتِلَ شخصان وأُصيب ثمانيةٌ بجراح.